قدمت أزمة الوباء العالمي "كوفيد-19" تأكيداً جديداً للحكمة القديمة التي يميل البعض إلى تجاهلها مراراً: كل شيء قابل للتغيير في أي وقت.
وتلقى البعض درساً مؤلماً بعد أن أدى فيروس "كورونا" إلى انهيار "منطقة الراحة" الخاصة بهم، في الوقت الذي لم يكونوا مستعدين لمواجهة الخيارات الأكثر صعوبة.
فخ الطعام السهل
ربما قرأت عن قصة الفأر الذي سقط سهواً في وعاء يمتلئ بالقمح أثناء تجوله التقليدي الذي لا ينتهي بحثاً عن طعام.
في البداية شعر الفأر بالمفاجأة، تلفت حوله خوفاً من خطر أو تهديد ما، لكنه عندما اطمأن نظر حوله ليجد نفسه يقف على كثير من الطعام.
كان الفأر يمتلك القدرة على الخروج من الوعاء بسهولة اعتماداً على القمح الذي يجعله قريباً للغاية من الحافة، لكن هل يترك كل هذا الطعام السهل؟.
اختار الفأر أن يظل داخل الوعاء يلتهم القمح الذي وجده بلا تعب ثم ينام قليلاً قبل أن يستيقظ ليواصل أكل المزيد، حياة سعيدة سهلة بلا خطر أو متاعب أو احتمالات.
لكن مع مرور الوقت واستمرار انخفاض كميات القمح، كان الفأر يغوص أكثر فأكثر إلى أسفل الوعاء، لتصبح عملية الخروج التي كانت سهلة في البداية أكثر صعوبة.
ربما شعر الفأر بأن هناك خطراً محتملاً يحيط بقدرته على الخروج من الوعاء، أو ربما لم يكتشف ذلك منشغلاً بالطعام السهل، لكنه في النهاية أصبح في أقصى قاع الوعاء مع انتهاء كل القمح.
الآن انتهى عهد الطعام السهل والشعور التام بالأمان والراحة والسعادة، وتحول الأمر للنقيض التام: لا طعام أو حرية أو قدرة على الخروج والبحث عن غذاء.
لقد كان ثمن أيام من الراحة والطعام السهل هو أيام أطول من الجوع والألم وفي النهاية غالباً فقدان الحياة نفسها.
سهل.. مضمون.. قاتل
لكن فيما أخطأ الفأر في هذه القصة؟، لقد وجد طعاماً سهلاً فاستغل الفرصة واختار الحل الواضح والآمن.
الواقع أن الخطأ لم يكن استغلال الفرصة السعيدة لتحقيق بعض من الاستفادة السهلة، لكن الأزمة تمثلت في استمرار الاعتماد على هذا الوضع وافتراض أنه قابل للاستمرار.
وبالفعل يختار الكثير من الناس في بعض الأوقات الحلول الأكثر سهولة وآماناً على المدى القصير حتى لو على حساب المستقبل.
البعض يلتزم بالمنطقة الآمنة والمريحة الخاصة بهم، طالما تحقق لهم الهدف الحالي بأقل مجهود ممكن، لكنهم في المقابل يتجاهلون الاحتمالات المستقبلية والمصلحة على المدى الطويل.
فإذا كان شخص ما يعمل في وظيفة تدر عليه دخلاً جيداً، فإنه قد لا يشعر بالحاجة إلى تعلم المزيد من المهارات الجديدة أو السعي للبحث عن عمل آخر يطور به أداءه وخبراته، بل قد يشعر بالسعادة بسبب العمل الذي أصبح يتقن تنفيذه بسهولة وسرعة.
لكن ماذا سيحدث إذا اضطرت الشركة التي يعمل بها لإغلاق أبوابها وتسريح هذا الشخص؟، لقد مرت بضع سنوات تغير فيها سوق العمل ومتطلباته في الوقت الذي كان فيه الموظف معتمداً على استقرار عمله وعدم الحاجة للتعلم وتحديث إمكاناته لتتوافق مع المتغيرات.
وبالتالي سيخرج إلى سوق العمل بسنوات خبرة اسمية كبيرة لكنها فعلياً محدودة لأنها كانت مكررة في نفس العمل وبعيدة عن واقع السوق الحالي.
لقد وقع هذا الشخص في نفس الفخ الذي تسبب في القضاء على الفأر سابقاً: اختيار الحل السهل والمريح دون النظر إلى مخاطره المستقبلية.
لقد كان كلاهما قادراً على الاستمتاع لفترة قصيرة ثم السعي لمزيد من التنويع والبحث عن تحديات وأهداف أخرى، لكنهما اختارا الاعتماد على الحل السهل وبالتالي حدثت المعاناة على المدى الطويل.
الآن أصبح الشخص الذي كان يمتلك سابقاً الكثير من الاختيارات والاحتمالات والطرق مضطراً للقبول بما يُعرض عليه مهما كان محدوداً أو لا يتناسب مع احتياجته وتفضيلاته.
الأمر لا يقتصر على الشخص المعتمد على الاعتقاد بأن العمل السهل المجزي والمستقر قد يتواصل إلى الأبد، لكنه يظهر أيضاً في طريقة تفكير كثير من الشركات.
فالشركة التي تحقق نجاحاً عبر منتج ما أو من خلال استراتيجية معينة، قد لا تمتلك الدوافع القوية لتطوير منتجات أخرى أو طرق جديدة للإدارة والعمل.
لكن الاعتماد على الطريق السهل والمضمون قد يكلفها الكثير إذا ما تغيرت تفضيلات المستهلكين ليتراجع الطلب على المنتج، أو ظهور منافسين قادرين على ابتكار سلع أفضل وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام الشركة.
الطرق السهلة لا تنتهي بالأفضل
الأزمة تتكرر بشكل مختلف لكنها تدور حول اعتقاد واحد: تخيل أن الوضع الحالي سيستمر إلى الأبد وأننا قد لا نكون مطالبين بمزيد من الجهد.
لكن في الحقيقة ستكون هناك أيام صعبة قادمة تختبر مدى استعدادك وجاهزيتك واستحقاقك، مهما طالت فترات الراحة التي قد تقدم ربحاً واستفادة سهلة.
ورغم أن عبارة "لا يوجد غذاء مجاني" تعتبر إحدى أشهر المقولات في الوعي الجمعي العالمي، فإن الكثيرين يبحثون عن الحصول على أفضل النتائج المحتملة بأقل جهد ممكن.
لكن الواقع يشير إلى أن الراحة على المدى القصير قد تؤدي إلى متاعب طويلة المدى، وبالتالي يجب ألا تشعر بالتراخي لمجرد أنك غير مطالب بالمزيد من العمل الآن لأنك بذلك قد تقضي على أي احتمالات مستقبلية.
وعندما تمتلك خيارات واحتمالات متعددة، لا يجب أن تنظر إلى الأكثر راحة أو الأسهل حالياً، لكن الفيصل دائماً يجب أن يكون الأفضل على المدى الطويل وما يضمن لك دوماً وجود بديل إذا تغيرت الظروف.
ويجب أن تحذر من الوقوع في فخ منطقة الأمان، فربما راحتك الحالية تحمل في طياتها معاناة مستقبلية لا يمكن تصورها.
المصدر : موقع أرقام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق