ظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعنا الوظيفي مفهوم اجتماعي ذو طابع إيجابي وبرز بشكل تدريجي في قطاع الأعمال حيث أصبح محطة اهتمام لأغلب أرباب العمل في مجتمعنا نظراً لما له من أهمية كبرى وتأثير قوي في نجاح بيئة العمل ورفع مستويات الانتاجية مما سيساعد في تحقيق أهداف وغايات المنشأة المستقبلية وارتفاع ميزتها التنافسية والارتقاء بها إلى أعلى المستويات.
باختصار.. انها السعادة الوظيفية.
الأغلب منّا يقضي معظم وقته في العمل سواءاً كان العمل في منشأة أو لحسابه الخاص (Freelance) وبالتالي فإن العمل وما يحيط به من ظروف وانفعالات يعتبر العامل الأكبر في التأثير على جوانب حياتنا المختلفة وجودتها وتحديد مستوى السعادة فيها. فالموظف السعيد تجده أكثر إبداعاً في بيئة العمل وصاحب إنتاجية عالية كون العلاقة بين سعادة الموظف وانتاجيته هي علاقة طردية راسخة وفق ما أثبتته الدراسات السابقة إضافة إلى أنه أكثر استقراراً سواءاً على مستوى الحياة العملية أو على مستوى الحياة الشخصية والاجتماعية وربما يتمتع بصحة جيدة نظراً للراحة النفسية والرفاهية التي يتمتع بها في عمله والتي لها الأثر الكبير في قلة الضغوط النفسية وانشراح الصدر وسعادة القلب.
ربما يختزل البعض منا مفهوم السعادة الوظيفية في العامل المادي فقط وهذا أمر خاطىء حيث أن حاجات الإنسان متغيرة وإشباعها لا يتوقف على مورد واحد فقط, فلو نظرنا إلى أحد نظريات التحفيز في بيئة العمل وهو هرم ماسلو للاحتياجات الانسانية والذي لخّص حاجات الإنسان والدوافع التي تحركه لوجدنا أن الهرم يتألف من خمس طبقات (احتياجات), فالطبقة الأولى تمثل حاجات الإنسان الفسيولوجية كالتنفس والمأكل والمشرب والنوم وغيرها والطبقة الثانية تمثل حاجات الأمان كحاجته للأمن والصحة والاستقرار العائلي والمجتمعي والأمن الوظيفي والطبقة الثالثة تمثل حاجاته الإجتماعية كالصداقة والعلاقات مع الآخرين والطبقة الرابعة تمثل حاجته للتقدير كالثقة بالنفس والاحترام من قبل الآخرين وتقدير الذات ونحوها أما الطبقة الأخيرة فهي تمثل حاجاته لتحقيق الذات كالإبتكار وحل المشاكل وغيرها.
يأتي السؤال الأهم هنا وهو: متى يكون الموظف سعيداً في عمله؟ أو بمعنى آخر ماهي العوامل التي تجعله ينعم بالسعادة الوظيفية؟
السعادة الوظيفية ترتكز على جانبين رئيسين وهما مكملان لبعضهما البعض ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما حيث أن وجودهما يبقى كنافذة لتهيئة بيئة عمل مليئة بالرضا والسعادة والاستقرار ومصدراً لإرسال المشاعر والطاقة الإيجابية بين العاملين بالمنشأة.
الجانب الأول يرتكز على دور الموظف نفسه في رفع مستوى سعادته في عمله وهذا يتم بتحقيق عوامل عدة تعتمد على الموظف نفسه, أذكر منها: الثقة بالله ثم الرضا بما كتبه له, الثقة بالنفس, الشغف وحب العمل فلن يشعر أحداً بالسعادة عندما يؤدي عملاً ليس شغوفاً به, وضع أهداف ذكية مستقبلية له وخطط لتحقيقها, المشاركة في وضع مسار وظيفي واضح, التطوير المستمر للقدرات والمهارات ومواكبة التغيير, إنشاء علاقات إيجابية مع الآخرين في بيئة العمل واستشارة أصحاب الخبرة منهم وتقديم المساعدة لمن بحاجة لها مما يجعل العمل أكثر متعة, تأسيس علاقات إيجابية مع الرئيس المباشر وتقديم الأفكار والاقتراحات له بما يخص العمل والاستماع إلى نصائحه, القيام بالأعمال التطوعية حيث أنها مصدر لزيادة ثقة الشخص بنفسه وتطوير جانب القيادة في شخصيته إضافة إلى ارتفاع محبة المجتمع له نظير هذه الأعمال, وأخيراً وهو العامل الأهم من وجهة نظري في رفع مستوى سعادة الموظف وهو التوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية فلكل حياة وقتها.
الجانب الثاني وهو الأهم ويرتكز على دور المنشأة في رفع مستوى السعادة للعاملين بها وهذا يتم بتحقيق عدة ممارسات أذكر منها: الالتزام ببنود العقد الجوهرية مع العاملين, تحقيق الأمان الوظيفي, إعداد مسارات وظيفية واضحة لهم, الشفافية, تهيئة بيئة عمل محفزة (مقر العمل, مناخ العمل, الرئيس المباشر, الزملاء, ونحوها), إنشاء قنوات تواصل فعالة مع العاملين والاستماع لآرائهم واقتراحاتهم ومشاركتهم في اتخاذ القرار, تحقيق العدالة والمساواة في بيئة العمل, تقديم الدعم المادي والمعنوي لتطوير أداء العاملين وتنمية مهاراتهم, مكافأة أصحاب الانجازات, تمكين العاملين من أداء عملهم ومنحهم مزيداً من الصلاحيات والاستقلالية وفق قدراتهم ومؤهلاتهم, التحسين المستمر لبيئة العمل وتشجيع الإبداع والإبتكار, تقديم حوافز متنوعة وفقاً لرغباتهم, تبني سياسة الباب المفتوح من قبل المسؤولين بالمنشأة لاستقبال شكاوى واقتراحات العاملين واستفساراتهم, تشجيع المدراء على إقامة علاقات إيجابية مع مرؤوسيهم وتقديرهم وتشجيعهم وتطويرهم ومنحهم أعمال ذات تحديات, الاهتمام بالحياة الشخصية للعاملين من خلال إنشاء برامج ترفيهية لعائلاتهم ومشاركتهم في مناسباتهم الاجتماعية, وأخيراً العامل الأهم وهو الالتزام بالعقد النفسي مع العاملين وكل ما يتضمنه من وعود وتصورات ينتظرها العاملين من المنشأة والتي تطرقت إليها في مقالة سابقة.
وختاماً أتمنى من أصحاب العمل كونهم الحلقة الأقوى في رفع مستوى السعادة لدى الموظف بالاهتمام بمبدأ السعادة الوظيفية والعمل على تحقيقه ونشره في بيئة العمل فالموظف هو رأس المال البشري للمنشأة وسعادته سيترتب عليها مزيداً من الانتاجية والابداع والولاء والاندماج وبالتالي نجاح المنشأة.
بقلم : م. أحمد الزهراني
المصدر :
صحيفة مال الاقتصادية
باختصار.. انها السعادة الوظيفية.
الأغلب منّا يقضي معظم وقته في العمل سواءاً كان العمل في منشأة أو لحسابه الخاص (Freelance) وبالتالي فإن العمل وما يحيط به من ظروف وانفعالات يعتبر العامل الأكبر في التأثير على جوانب حياتنا المختلفة وجودتها وتحديد مستوى السعادة فيها. فالموظف السعيد تجده أكثر إبداعاً في بيئة العمل وصاحب إنتاجية عالية كون العلاقة بين سعادة الموظف وانتاجيته هي علاقة طردية راسخة وفق ما أثبتته الدراسات السابقة إضافة إلى أنه أكثر استقراراً سواءاً على مستوى الحياة العملية أو على مستوى الحياة الشخصية والاجتماعية وربما يتمتع بصحة جيدة نظراً للراحة النفسية والرفاهية التي يتمتع بها في عمله والتي لها الأثر الكبير في قلة الضغوط النفسية وانشراح الصدر وسعادة القلب.
ربما يختزل البعض منا مفهوم السعادة الوظيفية في العامل المادي فقط وهذا أمر خاطىء حيث أن حاجات الإنسان متغيرة وإشباعها لا يتوقف على مورد واحد فقط, فلو نظرنا إلى أحد نظريات التحفيز في بيئة العمل وهو هرم ماسلو للاحتياجات الانسانية والذي لخّص حاجات الإنسان والدوافع التي تحركه لوجدنا أن الهرم يتألف من خمس طبقات (احتياجات), فالطبقة الأولى تمثل حاجات الإنسان الفسيولوجية كالتنفس والمأكل والمشرب والنوم وغيرها والطبقة الثانية تمثل حاجات الأمان كحاجته للأمن والصحة والاستقرار العائلي والمجتمعي والأمن الوظيفي والطبقة الثالثة تمثل حاجاته الإجتماعية كالصداقة والعلاقات مع الآخرين والطبقة الرابعة تمثل حاجته للتقدير كالثقة بالنفس والاحترام من قبل الآخرين وتقدير الذات ونحوها أما الطبقة الأخيرة فهي تمثل حاجاته لتحقيق الذات كالإبتكار وحل المشاكل وغيرها.
يأتي السؤال الأهم هنا وهو: متى يكون الموظف سعيداً في عمله؟ أو بمعنى آخر ماهي العوامل التي تجعله ينعم بالسعادة الوظيفية؟
السعادة الوظيفية ترتكز على جانبين رئيسين وهما مكملان لبعضهما البعض ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما حيث أن وجودهما يبقى كنافذة لتهيئة بيئة عمل مليئة بالرضا والسعادة والاستقرار ومصدراً لإرسال المشاعر والطاقة الإيجابية بين العاملين بالمنشأة.
الجانب الأول يرتكز على دور الموظف نفسه في رفع مستوى سعادته في عمله وهذا يتم بتحقيق عوامل عدة تعتمد على الموظف نفسه, أذكر منها: الثقة بالله ثم الرضا بما كتبه له, الثقة بالنفس, الشغف وحب العمل فلن يشعر أحداً بالسعادة عندما يؤدي عملاً ليس شغوفاً به, وضع أهداف ذكية مستقبلية له وخطط لتحقيقها, المشاركة في وضع مسار وظيفي واضح, التطوير المستمر للقدرات والمهارات ومواكبة التغيير, إنشاء علاقات إيجابية مع الآخرين في بيئة العمل واستشارة أصحاب الخبرة منهم وتقديم المساعدة لمن بحاجة لها مما يجعل العمل أكثر متعة, تأسيس علاقات إيجابية مع الرئيس المباشر وتقديم الأفكار والاقتراحات له بما يخص العمل والاستماع إلى نصائحه, القيام بالأعمال التطوعية حيث أنها مصدر لزيادة ثقة الشخص بنفسه وتطوير جانب القيادة في شخصيته إضافة إلى ارتفاع محبة المجتمع له نظير هذه الأعمال, وأخيراً وهو العامل الأهم من وجهة نظري في رفع مستوى سعادة الموظف وهو التوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية فلكل حياة وقتها.
الجانب الثاني وهو الأهم ويرتكز على دور المنشأة في رفع مستوى السعادة للعاملين بها وهذا يتم بتحقيق عدة ممارسات أذكر منها: الالتزام ببنود العقد الجوهرية مع العاملين, تحقيق الأمان الوظيفي, إعداد مسارات وظيفية واضحة لهم, الشفافية, تهيئة بيئة عمل محفزة (مقر العمل, مناخ العمل, الرئيس المباشر, الزملاء, ونحوها), إنشاء قنوات تواصل فعالة مع العاملين والاستماع لآرائهم واقتراحاتهم ومشاركتهم في اتخاذ القرار, تحقيق العدالة والمساواة في بيئة العمل, تقديم الدعم المادي والمعنوي لتطوير أداء العاملين وتنمية مهاراتهم, مكافأة أصحاب الانجازات, تمكين العاملين من أداء عملهم ومنحهم مزيداً من الصلاحيات والاستقلالية وفق قدراتهم ومؤهلاتهم, التحسين المستمر لبيئة العمل وتشجيع الإبداع والإبتكار, تقديم حوافز متنوعة وفقاً لرغباتهم, تبني سياسة الباب المفتوح من قبل المسؤولين بالمنشأة لاستقبال شكاوى واقتراحات العاملين واستفساراتهم, تشجيع المدراء على إقامة علاقات إيجابية مع مرؤوسيهم وتقديرهم وتشجيعهم وتطويرهم ومنحهم أعمال ذات تحديات, الاهتمام بالحياة الشخصية للعاملين من خلال إنشاء برامج ترفيهية لعائلاتهم ومشاركتهم في مناسباتهم الاجتماعية, وأخيراً العامل الأهم وهو الالتزام بالعقد النفسي مع العاملين وكل ما يتضمنه من وعود وتصورات ينتظرها العاملين من المنشأة والتي تطرقت إليها في مقالة سابقة.
وختاماً أتمنى من أصحاب العمل كونهم الحلقة الأقوى في رفع مستوى السعادة لدى الموظف بالاهتمام بمبدأ السعادة الوظيفية والعمل على تحقيقه ونشره في بيئة العمل فالموظف هو رأس المال البشري للمنشأة وسعادته سيترتب عليها مزيداً من الانتاجية والابداع والولاء والاندماج وبالتالي نجاح المنشأة.
بقلم : م. أحمد الزهراني
المصدر :
صحيفة مال الاقتصادية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق